تأثير الفراشة
ماذا سيكون رد فعلك لو قلت لك أن: "تحريك جناح الفراشة في الصين سيتسبب بحدوث إعصار مدمر في أمريكا"؟ أغلبيتكم سيقولون ما هذا الهراء و أي علاقة لشيء تافه كتحريك جناح فراشة بشيء كبير كالإعصار...لن أقول لك أنك على خطأ و لكن سأضرب لك موعدا في آخر هذا المقال لنرى من منا سيقنع الآخر،حسنا؟قد تكون سمعت عن الطائرة الإثيوبية التي سقطت بالأمس و مات جميع ركابها الذين بلغ عددهم 149، هناك شخص اسمه أنتونيس مافروبولس يوناني كان قد تأخر عن الرحلة ب 120 ثانية فما كان من عمال المطار إلا أن يغلقوا عليه الباب، فقابل هذا الفعل بالصراخ و عدم التصديق و الظلم، إذ كيف يعقل أن يتأخر ب 120 ثانية فقط، دقيقتين من الزمن و يحرم من رحلته. .. و في النهاية سقطت الطائرة و نجى هو و كل هذا بفعل دقيقتين فرق.
و من منا لا يتذكر درس التاريخ الذي لا نستطيع نسيانه، اندلعت الحرب العالمية الأولى بسبب اغتيال ولي عهد النمسا على يد طالب صربي، من منا يصدق أن وفاة 8.5 مليون شخص جراء الحرب العالمية الأولى و اندلاع هذه الأخيرة بالأصل كان نتيجة مقتل شخص واحد؟
إذا تمعنا جيدا في الحدثين السابقين نجد أن أسباب وقوع أحداث كبيرة تغير مجرى حياة الإنسان كان أول شرارات بداياته هو شيء بسيط للغاية نهمله و لا نعيره قيمة، كالدقيقتين في الحدث الأول و مقتل شخص في الحدث الثاني.... هذا الشيء البسيط و الساذج بالنسبة لنا هو ما يطلق عليه " تأثير الفراشة " و الذي ينص على أن الأشياء البسيطة جدا و التي لا نكاد نراها أو نعطيها قيمة كفيلة عاجلا أم آجلا بخلق تغيرات عظيمة، و أنه ليس هناك شيء في هذه الحياة تافه أو ثانوي أو غير مهم أو سواء وقع أو لم يقع لن يكون هناك تغيير، بل على العكس تماما هذا الحدث لم يقع عبثا و له تبعيات أكيد في المستقبل، فخروجك من منزلك ثم عودتك له بسبب نسيانك المفتاح غير الكثير من الأمور في حياتك دون أن تدري، عشر ثواني التي تأخرت بها عن القطار( ليس القطار المغربي طبعا )أو الطائرة و فاتتك له دور كبير فيما سيحدث لك مستقبلا فلا تكن غبيا و تظن أنه سواء جاء في موعده أو تأخر فإن مستقبلك كان ليكون هو هو، توفرك على درهم زائد يغير الكثير، كون عندك أخ يغير الكثير، حتى اسمك الشخصي إن تغير فإن حياتك كلها كانت لتتغير و لا أقصد هنا أن للأسماء أفضلية على بعضهم بل أقصد مثلا لو كنت مسافرا على متن الحافلة و نادت فتاة : عمر الذي هو اسمك ستلتفت و ربما ينشأ حديث بينك و بينها رغم أنك قد لا تكون الشخص المطلوب و تتطور الأمور فيما بينكم إلى صداقة أو غير ذلك، هذا الشيء لن يحدث طبعا إذا كان اسمك هو أحمد. لأنه و ببساطة هذا هو تأثير الفراشة، قد ظهر هذا المصطلح لأول مرة عام 1963 على يد عالم الرياضيات والأرصاد إدوارد لويرنتز الذي حاول جمع المعادلات الرياضية للتنبؤ بالأحوال الجوية لفترة معينة، وقام بإدخال البيانات لأجهزة خاصة قام بتطويرها بنفسه لكنه وجد تفاوتًا واختلافًا في النتائج عند تكرار التجربة بسبب إهماله لبعض الأعداد العشرية البسيطة التي لا يتم احتسابها عادةً، فوجد أن هذه الأعشار البسيطة في نظرنا هي ثقيلة و مهمة و تحدث فرقًا عند التكرار ولمدة طويلة الشيء الذي جعله يطلق هذه نظرية "تأثير الفراشة" و التي تنص علىأن تحريك جناح الفراشة في الصين قد يتسبب بحدوث إعصار مدمر في أمريكا و إذا قلنا قد يتسبب فإننا نقول أنه ليس السبب المباشر و الفعلي و لكنه اللبنة الأساس الأولى التي تتوالا بعدها اللبنات لتحدث الإعصار.
و إذا ما أردنا تفسير النظرية بشكل منطقي فيمكننا القول إنها تعني أن أي عمل ولو كان صغيرًا و متجاوزا سيؤثر ولو بشكل غير مباشر على أحداث أخرى، دون تحديد وقت معين إذ قد يحدث التغيير بعد يوم أو سنة أو أكثر، لكن الأكيد أن لا شيء يحدث اعتباطيا و وحيدا و منفصلا .
قد تسألني و ماذا أستفيد أنا من معرفة و تصديق هذا القول؟! سأقول لك حينها بأن المواقف الصغيرة و التي لا نلاحظها حتى و لا نعطيها أية قيمة كفيلة بتغيير حياة البشر، إذ أن كلمة إطراء و إعجاب برسم طفل صغير سيشجعه على الإستمرار و صقل موهبته ليصبح في المستقبل فنانا ناجحا، بينما كلمة تنقيص و نعث ما يقوم به بأنه سادج و مجرد خربشات عقيمة سيجعله يصدق كلامك إذ يعتبرك أنت والده أو عمه أو ذاك الشخص الناضج في عينيه و بالتالي يصدق ماتقول و سيقوم بتقطيع الرسم و تشييع جنازة تلك الملكة الإبداعية فيه حتى قبل أن ترى النور.
و بالتالي يجب أن ننتقي جيدا الكلمات و الحركات، نعطي قيمة للدقيقة و الثانية إذ لا شيء غير مهم و لا شيء عبثي، حتى مصادفتك لهذا المنشور بالضبط و استغراقك في قراءته سيغير من حياتك فيما بعد، إذ كان من الممكن أن تصادف آخرا أو لا تقرأه أو عندما قرأته و تشبع ذهنك ببعض أفكاره ستقف عندها يوما و تعمل بها و تغير حياة شخص ما.
أخيرا و ليس آخرا : أ مازلت تظن أن تحريك جناح الفراشة لا يمكن أن يؤدي للإعصار في أمريكا؟
#خديجة_المالكي
0 تعليقات